24‏/08‏/2009

( قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ )

قال تعالى ( قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ )

عن أبي سعيد الخدري رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال( يدخل أهل الجنة ,الجنة وأهل النار ,النار ثم يقول الله تعالى أخرجوا من في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فيخرجون منها قد اسودوا فيلقون في نهر الحيا أو الحياة – شك مالك – فينبتون كما تنبت الحبة في جانب السيل ألم ترى أنها تخرج صفراء ملتوية ) قال وهيب حدثنا عمرو الحياة وقال خردل من خير

هذا الحديث يدل على تفاضل أهل الإيمان في الأعمال و يرد قول المرجئة الذين قالوا لا يضر ذنب مع إيمان ويرد أيضا قول الخوارج والمعتزلة الذين قالوا بكفر مرتكب الكبيرة وأنه مخلد في النار
ولما كان الإيمان يدخل فيه المعرفة بالقلب والقول والعمل كله كانت زيادته بزيادة الأعمال ونقصانه بنقصانها وقد صرح بذلك كثير من السلف فقالوا يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية
وأما المعرفة بالقلب فهل تزيد وتنقص على قولين قال يعقوب بن بختان سألت أبا عبد الله يعني أحمد بن حنبل عن المعرفة والقول يزيد وينقص قال لا قد جئنا بالقول والمعرفة وبقي العمل ذكره أبو بكر الخلال في كتاب السنة ومراده بالقول التلفظ بالشهادتين خاصة وهذا قول طائفة من الفقهاء والمتكلمين
والقول الثاني أن المعرفة تزيد وتنقص قال المروذي قلت لأحمد في معرفة الله بالقلب تتفاضل فيه ؟قال نعم قلت ويزيد ؟ قال نعم ذكره الخلال عنه وأبو بكر عبد العزيز في كتاب السنة أيضا عنه
وحكى القاضي في المعتمد وابن عقيل في المسألة روايتان عن أحمد وتأولا رواية أنه لا يزيد وينقص
وتفسر زيادة المعرفة بمعنيين
1- زيادة المعرفة بتفاصيل أسماء الله وصفاته وأفعاله وأسماء الملائكة والنبيين وصفاتهم والكتب المنزلة عليهم وتفاصيل اليوم الآخر
2-زيادة المعرفة بالوحدانية بزيادة معرفة أدلتها فإن أدلتها لا تحصر إذ كل ذرة في الكون فيها دلالة على وحدانية الخلق ووجوده
وقد ذكر محمد بن نصر المروزي أن التصديق يتفاوت وحكاه عن الحسن والعلماء وهذا يشعر بأنه إجماع عنده
وقال بن مسعود الذكر ينبت الإيمان في القلب كما ينبت الماء الزرع
وفي المسند عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( جددوا إيمانكم ) قالوا كيف نجدد إيماننا ؟ قال ( قولوا لا إله إلا الله )
وقال ابن مسعود اليقين الإيمان كله
وقال الحسن البصري ما طلبت الجنة إلا باليقين ولا هرب من النار إلا باليقين ولا أديت الفرائض إلا باليقين ولا صبر على الحق إلا باليقين
وقال سفيان الثوري لو أن اليقين وقع في القلب كما ينبغي لطارت القلوب اشتياقا إلى الجنة وخوفا من النار
وقوله ( أخرجوا ) الخطاب للملائكة ويجوز من الخروج أي يا من كان في قلبه مثقال –أخرجوا من النار
وقوله ( مثقال حبة من خردل) قال الخطابي هو مثل ليكون عيارا في المعرفة لا في الوزن لأن ما يشكل في العقول يرد إلى المحسوس ليفهم
وقال إمام الحرمين الوزن للصحف المشتملة على الأعمال ويقع وزنها على قدر أجور الأعمال
وقال غيره تجسد الأعراض فتوزن وما ثبت في أمور الآخرة بالشرع لا للعقل فيه
والمثقال كالمقدار لفظا ومعنى وهو مفعال من الثقل وهو في غير هذا الموضع العظيم الثقل الكبير وفي الفقه المثقال من الذهب عبارة عن أثنين وسبعين شعيرة
وفي العباب مثقال الشيء ميزانه من مثله
والحب بفتح الحاء واحدة من الحب المأكول من الحنطة وغيرها
والخردل نبات معروف يشبه الشيء القليل البليغ في القلة بذلك يعني يدخل الجنة من كان في قلبه أقل ذرة من إيمان
وحكى الزجاج وغيره من المفسرين من أهل السنة أنه إنما يوزن خواتم الأعمال فإن كانت خاتمة عمله حسنا جوزي بخير ومن كانت خاتمة عمله شرا جوزي بشر
قال تعالى ( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ )
فالموازين جمع ميزان فقيل أنه يدل بظاهرة على أن لكل مكلف ميزان توزن به أعماله فتوضع الحسنات في كفة والسيئات في كفة وقيل يجوز أن يكون هناك موازين للعامل الواحد يوزن بكل ميزان منها صنف من أعماله وقيل للميزان كفتان وخيوط ولسان فالجميع يرجع إليها وقال مجاهد وقتادة والضحاك ذكر الميزان مثل وليس ثم ميزان وإنما هو العدل والذي وردت به الأخبار وعليه السواد الأعظم القول الأول
وقد تكرر ذكر الميزان في آيات كثيرة وهذا من عدل الله تعالى وأنه لا يظلم أحدا والميزان حقيقي له كفتان توضع الحسنات في كفه والسيئات في كفه فأيهم رجحت حسناته فاز وأيهم رجحت سيئاته فخسر
( أسودوا ) أي صاروا سودا كالحم من تأثير النار
( فيلقون في نهر الحيا أو الحياة ) شك من مالك وقوله الحيا بالقصر وفتح الحاء المطر ونهر الحياة ومعناه الماء الذي يحيا به من أنغمس فيه
وقد جعل الله نبات أجسام بني آدم كنبات الأرض قال الله تعالى ( والله أنبتكم من الأرض نباتا ) وحياتهم من الماء فنشأتهم الأولى من ماء دافق يخرج من بين صلب الرجل وترائب المرأة ونشأتهم الثانية من قبورهم من الماء الذي ينزل من تحت العرش فينبتون فيه كما ينبت النبات حتى تتكامل أجسادهم ونبات من يدخل النار ثم يخرج منها من ماء نهر الحياة أو الحيا فيخرجون منها وقد ذهب اسوداد جسدهم وعادت نضارتهم مرة أخرى فسبحان الله العلي القدير الذي جعل من الماء كل شيء حي
( كما تنبت الحبة ) فيه تشبيه متعدد وهو تشبيه من حيث الإسراع ومن حيث ضعف النبات ومن حيث الطراوة والحسن والمعنى من كان في قلبه مثقال حبة من إيمان يخرج من ذلك الماء نضرا حسنا منبسطا متبخترا كخروج هذه الريحانة من جانب السيل خضراء ملتوية
وروى البخاري عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن من شعيرة من خير ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن بره من خير ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير )
وروى بن ماجة والنسائي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا خلص الله المؤمنين من النار وأمنوا فما مجادله أحدكم لصاحبه في الحق يكون له في الدنيا من المؤمنين لربهم في إخوانهم الذين أدخلوا النار قال : يقولون ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويحجون معنا فأدخلتهم النار فيقول أذهبوا فأخرجوا من عرفتم منهم فيأتونهم فيعرفونهم بصورهم لا تأكل النار صورهم فمنهم من أخذتهم النار إلى أنصاف ساقيه ومنهم من أخذته إلى كعبيه فيخرجونهم فيقولون ربنا أخرجنا من قد أمرتنا ثم يقول أخرجوا من كان في قلبه وزن ذرة من إيمان ثم من كان في قلبه نصف دينار ثم من كان في قلبه مثقال حبة من خردل ) قال أبو سعيد فمن لم يصدق هذا فليقرأ ( إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما )
وعن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( بينما أنا نائم رأيت الناس يعرضون علي وعليهم قمص منها ما يبلغ الثدي ومنها ما دون ذلك وعرض علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره ) قالوا بما أولت ذلك يا رسول الله قال ( الدين )
وعن هزيل بن شرحبيل قال : قال عمر بن الخطاب (لو وزن إيمان أبو بكر الصديق بإيمان أهل الأرض لرجحهم بل الإيمان يزيد بل الإيمان يزيد قالها ثلاثا) مسند إسحاق
الفوائد
1- فيه حجه لأهل السنة على المرجئة حيث علم من دخول طائفة من عصاة المؤمنين النار كذب مقولة تلك الفرقة المبتدعة
2- حجة على المعتزلة حيث دل على عدم تخليد العاصي
3- فيه دليل على تفاضل أهل الإيمان في الأعمال

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق